عدد ركعات التراويح وأحكامها

عدد ركعات التراويح: المعنى، الأحكام، والتفاصيل المتعلقة

تعد صلاة التراويح واحدة من أبرز شعائر شهر رمضان المبارك، فهي سنة مؤكدة على المسلمين، يتبعونها في المساجد بعد صلاة العشاء، ويحرصون على إحيائها في ليالي هذا الشهر الفضيل. ومع ذلك، كثيراً ما تثار تساؤلات حول عدد ركعات التراويح، وكيفية أدائها بشكل صحيح، ومدى تفاوتها بين المذاهب الإسلامية. في هذا المقال، سوف نتناول كافة الجوانب المتعلقة بعدد ركعات التراويح، مع تسليط الضوء على أقوال العلماء في المسألة، وما يترتب على ذلك من تفاصيل تتعلق بكيفية أداء الصلاة، وتاريخ نشأتها، وأحكامها الشرعية.

1. مفهوم صلاة التراويح

صلاة التراويح هي صلاة نافلة (سنة مؤكدة) يؤديها المسلمون في شهر رمضان، وتُصلى جماعة في المساجد بعد صلاة العشاء، وتستمر حتى قبيل الفجر. تختلف صلاة التراويح عن سائر الصلوات في رمضان كونها مرتبطة بمناسبة خاصة، وهي شهر الصيام، وتكتسب من هذه المناسبة خصوصية كبيرة في حياة المسلمين.

تسمى هذه الصلاة “التراويح” نسبة إلى الراحة والسكينة التي يحصل عليها المسلم أثناء استراحة قصيرة بين كل ركعتين، إذ يقال إن التراويح هي جمع “تراويحة” بمعنى الراحة بعد أداء كل ركعتين، وهو أمر متعارف عليه بين المسلمين لتهدئة الجسد بعد الركوع والسجود في الصلاة.

2. عدد ركعات التراويح: دراسة تفصيلية

2.1. عدد الركعات عند المذاهب الإسلامية

تعد مسألة عدد ركعات صلاة التراويح واحدة من المسائل التي تناولتها مختلف المذاهب الفقهية. ورغم أنها ليست فرضًا على المسلمين، فإنها تعد سنة مؤكدة، وحرص المسلمين على أدائها بشكل جماعي في المساجد يجسد أجواء روحانية خاصة.

• المالكية: يرى المذهب المالكي أن عدد ركعات التراويح هو 36 ركعة. يذهب المالكية إلى أن الأصل في صلاة التراويح هو أن تكون جماعية، مع الأخذ في الاعتبار أن العدد غير محدد في نصوص الشريعة بشكل دقيق.

• الحنفية: وفقًا للمذهب الحنفي، عدد ركعات التراويح هو 20 ركعة. وهذا هو المذهب الأكثر شهرة بين المسلمين في العديد من الدول العربية، حيث يصلى المسلمون 20 ركعة بعد صلاة العشاء في رمضان.

• الشافعية: يرى المذهب الشافعي أن عدد الركعات 20 ركعة، مثل المذهب الحنفي، على الرغم من اختلافهما في بعض التفاصيل الأخرى المتعلقة بالصلاة.

• الحنابلة: يرى المذهب الحنبلي أن صلاة التراويح تصلى بـ 20 ركعة أيضًا، كما هو الحال في المذهبين الحنفي والشافعي. وقد رُوي عن الإمام أحمد بن حنبل أنه أقرّ بأن صلاة التراويح يمكن أن تؤدى في المساجد بعدد غير محدد، ولكن الأفضل أن تكون 20 ركعة.

من المهم ملاحظة أن هذه الأعداد، سواء كانت 20 أو 36 ركعة، ليس عليها اتفاق تام في كل البلدان الإسلامية، حيث تتنوع الممارسات بين الدول والمناطق المختلفة.

2.2. العدد المتغير بحسب العصور

إذا نظرنا إلى تطور عدد ركعات التراويح عبر العصور، نجد أن عدد الركعات لم يكن ثابتًا عبر التاريخ، بل اختلف حسب المكان والزمان. في بداية الأمر، كانت صلاة التراويح تُصلى بأعداد قليلة، ثم تطورت في العهد الأموي والعباسي، وارتفع العدد تدريجياً. في عصر الخلفاء الراشدين، كان الصحابة يصلون التراويح بعدد أقل، حيث كانت تقتصر على 8 ركعات في معظم الأحيان، في حين كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد جمع الناس في المسجد وأمرهم بالصلاة مع إمام واحد بعدد 20 ركعة.

هذا التعدد في الآراء يبرز التنوع الفقهي الواسع في هذه المسألة ويؤكد على أهمية الاجتهاد في فهم النصوص الشرعية وفقاً للظروف والزمان.

3. الأدلة الشرعية المتعلقة بعدد الركعات

من الواضح أن مسألة عدد ركعات التراويح ليست مسألة قطعية في الشريعة الإسلامية، بل هي محل اجتهاد. ورغم هذا، فقد ورد في الأحاديث النبوية الشريفة إشارات متفرقة بشأن عدد ركعات التراويح، وعلى الرغم من أنها لا تحدد عدداً معيناً، فإن تلك الأحاديث تُظهِر جواز زيادة أو تقليص العدد بحسب المصلحة.

• حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: في الحديث الذي رواه الإمام مسلم، قالت عائشة: “ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على 11 ركعة”. يتفق هذا الحديث مع المذهب الحنفي في تحديد عدد الركعات، حيث يُفضّل الكثير من المسلمين أداء 8 ركعات إضافة إلى الوتر.

• حديث السيدة أم سلمة: في حديث آخر، تقول أم سلمة رضي الله عنها: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي التراويح في المسجد في جماعة، ثم لم يخرج بعد ذلك، وقال: أخشى أن تفرض عليكم”. من هذا الحديث يُستفاد أن عدد ركعات التراويح ليس محدداً بشكل صارم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك للمسلمين حرية اختيار العدد، ولكن مع المحافظة على عدم فرض الصلاة على الأمة.

4. هل يجب إتمام عدد الركعات المقرر؟

رغم أن العلماء اختلفوا في تحديد العدد المثالي للركعات، إلا أن الغالبية العظمى من الفقهاء متفقون على أن صلاة التراويح هي سنة وليست فرضًا. بذلك، فإنه يمكن للمسلم أن يصلي ما شاء من الركعات، ما دام أتم العدد المعهود في المذهب الذي يتبعه. ولا يُشترط إتمام الركعات بالتحديد، ويمكن للمسلم أن يضيف أو يقلل منها تبعًا للقدرة والظروف.

5. أحكام وأمور متعلقة بصلاة التراويح

5.1. الإمام في صلاة التراويح

من السنة أن يكون هناك إمام يصلي بالتراويح جماعة في المسجد. ويمكن للناس أن يصلوا بشكل منفرد إذا لم يتوفر الإمام، ولكن الأجر والثواب يزداد عندما يصلي المسلمون جماعة خلف الإمام. وفي حالة الصلاة جماعة، يُفضل أن تكون الصلاة وفقًا للعدد الذي قرره المذهب.

5.2. صلاة التراويح في المنزل

لا يُشترط أداء صلاة التراويح في المسجد، بل يمكن للمسلم أن يصليها في المنزل أيضًا. في الحقيقة، كان بعض الصحابة والتابعين يصلون التراويح في بيوتهم في رمضان، وكان هذا يعد عملاً مستحباً.

5.3. الوتر بعد التراويح

بعد إتمام ركعات التراويح، يختتم المسلمون الصلاة بصلاة الوتر، وهي سنة مؤكدة. يُفضل أداء الوتر بعد التراويح، ويتراوح عدد ركعات الوتر بين ركعة واحدة إلى ثلاث ركعات، حسب رغبة المسلم.

6. خلاصة

صلاة التراويح هي سنة مؤكدة في شهر رمضان، واختلف العلماء في عدد ركعاتها، حيث يتراوح العدد بين 8 و 36 ركعة حسب المذهب الفقهي الذي يتبعه الشخص. ورغم أن عدد الركعات ليس محددًا بشكل قطعي، إلا أن الغالبية العظمى من العلماء يعتبرون الصلاة جماعة في المساجد سنة مستحبة، كما يعد الوتر في نهاية التراويح من السنن الثابتة.

على الرغم من التباين بين المذاهب الإسلامية في عدد الركعات، يبقى الهدف الأسمى من أداء هذه الصلاة هو التقرب إلى الله تعالى وإحياء روح العبادة في شهر رمضان المبارك.